كن أول من يكتب تعليقاً
العيد دون اجتماع العائلة الكبيرة وبعيدا عن الوطن يتحول إلى مناسبة يختلط فيها الحزن بالحنين، هذا شعورنا جميعا كمشردين داخل سوريا أو كلاجئين خارجها وقد فقد معظمنا ما قضى حياته يؤسسه وفقد أو افتقد معظمنا عزيزاً سقط شهيداً أو مختطفاً مغيباً في سجون النظام الأسدي الطائفي، لا يهم إن كان اللجوء في مخيم للفقراء، أو في شقة مستأجرة في بلد اللجوء، أو في موطن لجوء أوروبي للمحظوظين، فموجة الحنين والحزن تساوي بين الجميع ... لكن ما الفرق بين اليوم وبين أعياد سبقت الثورة؟
"الحرية"، نعم هنا يكمن الفرق وما أعظمه من فرق، كنا فيما مضى نتزاور في العيد، وغالبا ما تكون السياسة موضوعنا (كرجال) ما دام الحضور "صديقا" كما هو الغالب في مثل هذه المناسبات، لكن الحاضر الغائب دائما يومها كان "الحرية"، غائبة في واقعنا حاضرة في افتقادنا لها في مضمون كل ما يُطرح للنقاش، من سياسة أو أزمات اقتصادية أو اجتماعية، سورية وإقليمية، كثيرون يومها "كانوا عايشين" مستسلمين لقدرٍ اعتبروا أنه بات حتميا لا يقبل التغيير، وبعضٌ متمردون معظمهم من الشباب لكنهم لا يملكون الإجابة الشافية للسؤال الأهم: "كيف ننجز التغيير"، يومها كان البعض يقنع بعمليات التجميل أو "الأعطيات" الصغيرة من فتات النظام، وقلة قليلة جداً تحلم أبعد من ذلك بكثير.
يروج النظام وحلفاؤه بروبوغندا حرب نفسية مضللة خلافاً لكل قراءة واعية لما يجري تفند ما يُروج، يروج في حرب نفسية مضللة تتبنى بروبوغاندا نشر اليأس وتصوير النظام بأنه منتصرٌ، وسنناقشها في مقال قادم لتفنيدها بالتفصيل، لكن بافتراض ذلك تجاوزاً؛ وانتصر النظام أو حتى بقي لا قدر الله، فماذا سينتظرنا يومها؟
نعم، يومها قبل الثورة "كنا عايشين"، لكن كعبيدٍ مرضيٍ عنهم ... لكن غداً لو افترضنا جدلاً وبقي النظام لا قدر الله؛ فإن كثيراً من هؤلاء الذين اضطروا لترك بلادهم ممن يشكلون هوية وحضارة وتاريخ وثقافة سوريا؛ لن يستطيعوا العودة إلى سوريا، إما خوفاً من الاعتقال والملاحقة التي ستتصاعد بشكل كبير في انتقام غير مسبوق عبر التاريخ حتى لكل من همس أو كتب حرفاً ضده، أو لأن النظام سيمنع آخرين من العودة تحت تهديد الاعتقال، أو لأن النظام سيضيق على آخرين أي إمكانية للعودة بعد أن استولى على مدنهم وبيوتهم وممتلكاتهم، كل ذلك ليمنع هؤلاء من العودة إلى بلادهم "حفاظاً على التجانس" كما صرح النازي الطائفي، هذا "التجانس" الذي عمل عليه منذ اليوم الأول للثورة هو وعصاباته ومؤيديه في حرب طائفية لم تعد خافية لمن به ذرة ضمير وعقل.
نعم يومها قبل الثورة "كنا عايشين"، ما إن نعود من سفر وندخل حدود بلادنا حتى يبدأ التلوث البصري بصورة السفاح، والتلوث السمعي بما ارتبط بالدم والقهر والمخابرات ... لكن غداً إن بقي النظام لا قدر الله؛ فتلك القلة التي ستأمن على نفسها وتستطيع العودة، ستبدأ رحلة ذلها وتلوثها في سفارات النظام لتستكملها بجرعات غير مسبوقة لحظة دخول السجن الكبير، ليدخلوها "صاغرين أذلاء" كما يحلم نازس التجانس ومؤيدوه، ولا حاجة لدليل لمن يفقه حرفاً أو يملك ذرة عقل في قراءة هذا النظام تاريخاً وطبيعةً.
نعم، يومها قبل الثورة "كنا عايشين" لكن كعبيدٍ يعملون بجد في كل لحظة على إثبات خضوعهم الذليل نيلاً لرضى السيد الوضيع ... لكن غداً إن بقي النظام لا قدر الله، فإن ما تبقى من هؤلاء في سوريا من ذوي العرق "غير المتجانس"، ومعهم القلة التي ستستطيع وسيَسْمَح لها النظام بالعودة وسترضى بالعودة وفق الظرف الجديد، هذه "الأكثرية/الأقلية" الجديدة غداً إن بقي النظام لا قدر الله، "سيعيشون" في ذلك الغد الأسود لكن كعبيد غير مرضي عنهم يجري إذلالهم في كل لحظة في انتقام تاريخي غير مسبوق مهما أظهروا من ولاء، فالمهزوم ليس له حقوق.
نعم يومها قبل الثورة "كنا عايشين"، نتزاور في العيد، ولا يخلو مجلس من قصة عن معتقل في تدمر أو في فرع مخابرات، حيث مر مئات الآلاف منا على تلك السجون خلال نصف قرن من حكم الوحش النازي الطائفي، غادرنا منهم إلى السماء عشرات الآلاف والقهر يحاصرهم، ومن بقي كنا نذكره بحسرة وعجز حتى يخرج من السجن بعد ربع قرن بمكرمة ممن اعتقله ظلماً ... لكن غداً إن بقي النظام لا قدر الله؛ فإن ما تبقى من النصف مليون معتقل الذين قضى نصفهم على الأقل شهداء، لن يخرج منهم إلا القليل القليل، فنظام الحقد الأسود سيقتل الكثيرين ويستبقي آخرين لعشر أو عشرين سنة "ليربي" فيهم الحالمين بالحرية، ويمارس حقده الأسود النابع من طبيعته، ولنا في نصف قرن من تاريخه مع المعتقلين خير دليل.
نعم يومها قبل الثورة "كنا عايشين"، نتحسر بعجز على بضع عشرات من ألوف قتلهم النظام في سجونه أو في مجازره ... لكن غداً إن بقي النظام لا قدر الله؛ فلن نستطيع التحسر على مليون شهيد قتلهم النظام في سجونه ومجازره وسيبقى اسمهم "إرهابيون" كما سنة التاريخ الذي يكتبه عادةً المنتصرون، بينما تحمل أسماء شوارعنا ومدارسنا ومستشفياتنا أسماء القتلة.
نعم يومها قبل الثورة "كنا عايشين"، نبكي مدينة حماه التاريخية التي هدمها النظام وبنى مكانها وفوق رفات شهدائها فندقاً يسخر كل لحظة من الضحايا وأوابد التاريخ، بينما أهل المكان إما تحت ترابه أو ينظرون له عن بعد بحسرة عاجزة ... لكن غداً إن بقي النظام لا قدر الله؛ وكما أفصح دون مواربة، وبعد استكمال هدم ما بدأه، سيصدر "مخططات تنظيمية" جديدة لن تعيد بيتاً لصاحبه، ليبنيها بمال "المجتمع الدولي" السخي، ليوزعها أعطيات لقتلته وقطيع مؤيديه الطائفيين، ناهيك عن طمس أوابد تاريخية تذكره بوضاعته، ولنا في المناطق التي اعاد احتلالها في حمص وداريا والقابون وحلب الشرقية وغيرها كثير، خير دليل طازج.
نعم، هذا ما ينتظرنا إن انتصر النظام لا قدر الله، فالعدالة كما التاريخ، أمر يكتبه المنتصر حتى في أمم تدعي الحضارة والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، ، فكيف إن كان الأمر بيد حثالات الأرض في سوريا، لذلك ليس من خيار لنا إلا أن نتابع حتى النصر، وهو آت بإذن الله، فلا تستسلموا أمام هذه الحرب النفسية المضللة التي تريدكم أن تصدقوا أن الثورة قد انتهت، بينما النظام نفسه لم يجرؤ على قول ذلك بعد ... هو حلم النظام بالنصر وهزيمة الثورة، لكنه كان وسيبقى مجرد حلم بإذن الله، وسنفند هذه البروبوغاندا في مقالٍ قادم.
"كنا عايشين" لم تكن ولن تكون يوماً إلا مجرد وهمٍ لعبد ذليل، لكننا "سنبدأ العيش" فقط عندما نستعيد هويتنا الإنسانية التي تحمل عنوانً واحداً هو"الحرية"، والثمن غالٍ ونحن ندفعه، فلا تستمعوا لمن يريدون التفريط بكل ما قدمناه من تضحيات، لذلك وحتى نعود إلى بلادنا و"نعيش"؛ عودوا إلى ثورتكم نصركم الله.
فواز تللو - سياسي وباحث سوري
مركز آفاق مشرقية
المادة المنشورة تعبر عن رأي الكاتب ولا يتبناها بالضرورة مركز آفاق مشرقية، ويتحمل الكاتب المسؤولية القانونية والعلمية لمضمون هذه المادة.