Flag Counter
خطأ بملء هذه الخانة
حقوق النشر محفوظة لمركز آفاق مشرقية الذي يصرح بإعادة نشر المواد شرط الإشارة إلى مصدرها بعبارة [المصدر : مركز آفاق مشرقية] *** ونود التنويه إلى أن الموقع يستخدم تقنية الكوكيز Cookies في متابعة حركة الموقع

مصير الغوطة وأهلها - الجزء الثاني / خيارات صعبة أم أقدار مفروضة

الكاتب : فواز تللو

2018-03-11 | |

ناقشنا في الجزء الأول دور المجتمع الدولي فيما جرى ويجري، ودوره بفرض تطبيق قرار وقف إطلاق النار وما قد يدفعه لذلك، لكن ماذا عن دور المعارضة السياسية والعسكرية في باقي المناطق؟ وماذا عن الحلفاء الإقليميين؟ وماذا عن دور أهل الغوطة المدنيين المحاصرين العزل وثوارهم المقاتلين؟

المعارضة السياسية من هيئة تفاوض، وائتلاف، وتوابعهم، ومنصات متعددة الجنسيات (باستثناء الجنسية السورية الثورية الوطنية)، وتشكيلات ديميستورا الكرتونية الرخيصة المرتزقة من نساءه ورجاله ومنظماته "المدنية" والقطيع الذي يحركه، هؤلاء جميعاً خارج أي معادلة بل هم كارثة على الثورة باستتباعهم واستعدادهم للجلوس في قطار الواجهة مقابل أي ثمن، وثمنهم رخيص جدا ًبالمناسبة، وهم ينتظرون بفارغ الصبر استسلام الغوطة ليعودوا للمفاوضات بأي شرط وظرف وثمن ومقابل أي دور يتم رميه لهم من أي جهة كانت في أي مستقبل ضمن أي حل حتى لو كان الاستسلام، وبالتالي لا يمكن توقع موقف منهم يقضي بتجميدهم أو إنهاءهم مسرحية التفاوض الحالية بكل مساراتها إن استمر العدوان.

قيادات المعارضة العسكرية في الجنوب تنام نومة "أهل التبعية" التي تدجنت وفقها على مدى السنوات الماضية منتظرة دوراً في كانتون تشرف عليه القوى الإقليمية ضمن صراع تقاسم النفوذ الذي يجري حالياً حول سوريا وتمثل الغوطة أحد معوقاته، أو عودتهم إن أرادت هذه القوى الإقليمية، عودتهم إلى حضن النظام الأسدي بعد معركة مع الروس واستسلام مذل سريع تم التحضير له نفسياً خلال سنوات من نومهم نومة أهل الغدر بالثورة، وإن كان بالإمكان تغيير هذا القدر بصعود قيادات شابة تصفي القيادات المرتهنة وتصحح المسار وتنقذ عشرات آلاف الثوار المقاتلين المخلصين في حوران المنتظرين لقيادات شريفة تأخذ بزمام المبادرة بعد أن جرى ويجري تباعاً اغتيال وتصفية الشرفاء.

أما قوى الثورة العسكرية في الشمال فهي منشغلة إما بـ "الفرجة" بناءً على أوامر الداعم "المعلم"، أو بمعركتي إرهابيي القاعدة في الشمال وإرهابي حزب العمال في  عفرين، ففي الشمال لم يتوقف طاعون القاعدة/النصرة عن توجيه الطعنات للثورة والثوار بغدر وخسة وفق مشروعها القاعدي العدمي السرطاني، لتناور مؤخراً للالتفاف على عروض الهدنة التي طرحتها جبهة تحرير سوريا الراغبة بالتفرغ لقتال النظام للتخفيف عن الغوطة لتستعمل  القاعدة/النصرة ورقة الهدنة من أجل الغوطة للابتزاز من أجل مشروعها بعد تلقيها الصفعات الأخيرة، يضاف قوى الثورة التي تقاتل إرهابيي حزب العمال في عفرين برعاية تركية ترسم مناطق نفوذها للخلاص من خطر الكانتون الكردي على مصالحها، مع السخاء في إطلاق التصريحات المتعاطفة مع الغوطة لكن الخالية من الدسم السياسي والسلاح للثوار في باقي المناطق (عدا معركة عفرين) ولو كان رصاصة، بما في ذلك عدم تسليح حتى من يقاتلون القاعدة.

بالنسبة للعرب، فالحلفاء الخليجيون (أي السعودية وقطر) منشغلون بصراعهم ناهيك عن الخلل الكبير الذي أصاب التحالف السعودي التركي في الملف السوري نتيجة ذلك، وتوقف أي دعم عسكري "رمزي" كما في السابق عبر غرف الموك من قبل الحلفاء الخليجيين، مع تراجع الأتراك المستمر منذ سبع سنوات عن خطوطهم الحمراء المتغيرة والتي لا نعرف كيف ستنتهي أو إن كان هناك خطوطٌ بقيت أصلاً، أما باقي العرب من خليجيين او غير خليجيين فهم إما نائم أو عدو معلن أو غير معلن للثورة وحليف للنظام، وإن كان الجميع يشتركون في لعن الربيع العربي في كل مناسبة، اما باقي العالم الإسلامي غير العربي بدأً بالنووي (باكستان) والمتقدم اقتصاديا (أندونيسيا وماليزيا) وكل من تبقى فهم خارج أي معادلة كما كانوا عبر التاريخ.

بضع عشرات من صواريخ محمولة مضادة للطائرات وبضع مئات من صواريخ تاو المضادة للدروع قادرة ليس على إنقاذ الغوطة فحسب، بل وقلب كل الموازين الاستراتيجية السياسية والعسكرية في سوريا والمنطقة والعالم، قادرة على إسقاط النظام الأسدي الطائفي بكل ما يمثله وبكل ادواره القذرة التي سبقت والتي ستأتي وقادرةٌ على تعليق مشنقة السفاح بشار أسد، وطرد الروس ... بضعة عشرات من هذه الصواريخ لثوار سوريا كانت ولا زالت قادرة على هزيمة ملالي إيراني وإنهاء مشروعهم في كل المنطقة كما يحلم السعوديون الذين بذلوا مئات المليارات في ابتزاز أمريكي رخيص لهم بدون أي مردود، وبذلوا عن حق السلاح والرجال في ساحات جانبية كاليمن لكنهم تجنبوا الساحة السورية الأهم لهزيمة المشروع الإيراني وبكلفة لا تقارن مع المليارات التي تم صرفها في اليمن وعشرات آلاف الجنود مع كل سلاحهم وكل الضغط السياسي الذي يمارسه العالم عليهم بسببه، مقابل بضعة عشرات من الصواريخ فقط مع قرار مستقل عن أوامر أوباما السارية حتى اللحظة وكأنها قرآن بل أكثر بمنع تسليح ثوار سوريا ...  بضعة عشرات من الصواريخ لثوار سوريا كانت ولا زالت قادرة على سحق المشروع الانفصالي الكردي الذي يقض مضجع الأتراك ويقفون منذ سنوات عاجزين عن إنهائه منتظرين موافقة أوباما ومن ثم ترامب ومن ثم بوش الثالث عشر معتمدين على الروس وأعدائهم التاريخيين الإيرانيين، ليتقاذفهم الأمريكي والروسي والإيراني والأوربيين بينهم ككرة، بينما الكلفة كانت ولا زالت بضعة عشرات من الصواريخ لثوار سوريا وقرار مستقل غير خانع لكل هؤلاء وبدون تصريحات عنترية لا تستحق ذيل نشرة أخبار الطقس.

بالنتيجة؛ أهل الغوطة كما الثورة السورية منذ يومها الأول وحتى اللحظة؛ يقفون اليوم وحيدين، سلاحهم وانتصارهم وأوراق الضغط في يدهم؛ في يد ثوار الغوطة بالصمود في خطوط الجبهات خاصة على أسوار وشوارع البلدات حيث المعركة القادمة وحيث يبرعون، لكن أهم أوراق الضغط اليوم بيد مدنيي الغوطة، عبر صمودهم في حلبة الموت المفتحة وتحدي عض الأصابع مع الثمن الكبير والتضحيات القادمة أمامهم والتي لن تقل سوءاً عن ما فات بل تزيد لكن لفترة محدودة، لكنه صمود سينتهي بتطبيق قرار وقف إطلاق النار، والمدنيون هنا أصحاب القرار ... نعم، الصمود مكلف لكن كمحصلة نهائية الاستسلام أكثر كلفة، ففي الصمود سيسقط آلاف الضحايا بين شهيد وجريح، لكن سينجو مئات الآلاف من التشرد، ولن تضيع كل التضحيات الهائلة خلال سبع سنوات، قرار صعب بين خيارين صعبين لا ثالث لهما: إما الصمود بكل كلفته القريبة، أو الاستسلام بكل كلفته البعيدة الكبيرة.

قرار الغوطة اليوم بل ومستقبل الثورة بيد أهل الغوطة المدنيين، فهم المقاتل الأعزل والأكثر تأثيراً، ولهم أن يختاروا، فقد أنجزوا مع ثوارهم أكبر معجزات الثورة حتى اللحظة، معجزة قد ينافسها مثال داريا وحمص لكنها تبقى الأهم، حياتهم ودماؤهم ومعاناتهم هي أهم ورقة ضغط اليوم، هم بكونهم "الضحية" العزلاء التي تقاوم بجسدها الأعزل القصف الوحشية، فورقة الضغط الأهم اليوم بيد المدنيين وتتمثل بكونهم "الضحية"، وصمودهم هو السلاح المتبقي لأهل الغوطة بالإضافة لصمود مقاتليهم، ورقة الضغط هذه أي "ورقة الضحية" هي السلاح الأمضى حتى من رصاص الثوار الذي لا غنى عنه إلى جانبهم، وورقة يجب العمل عليها بجهد سياسيٍ وضخ إعلامي تستحقه، ويجب التمسك بها حتى تؤتي ثمارها بوقف المجزرة.

الخيار الآخر المتمثل باستسلام الغوطة يعني تشريد المقاتلين بين الشمال (وربما الجنوب وإن كان الأمر أقل احتمالاً)، في الشمال سيقعون بين فكي القاعدة/النصرة التي تنتظرهم بكل حقد، وبين فصائل مستتبعة ستجرهم إلى حفرتها وتبعيتها للمعلم الإقليمي ومشاريعه حيث لا يختلف الجنوب أبداً عن الشمال، أو تغتال من يرفض، واستسلام الغوطة يعني تشرد ربع مليون مدني على الأقل من أصل 365 ألف مدني محاصر، فأكثر من نصف المحاصرين هؤلاء (بما يشمل عائلاتهم) مرتبطين بالثوار والناشطين أو كان له دور ما في الثورة، وهؤلاء لن يستطيعوا البقاء إن سيطر النظام، أما من تبقى فيدرك مصيره من ذل في حال بقاءه حتى لو كان شيخاً هرماً أو طفلاً صغيراً، واعتقال وتجنيد فموت إن كان شاباً وفي أقل الأحوال سوءاً إرساله للموت وهو يقاتل إخوته تحت راية النظام في جبهات أخرى، ناهيك عن ما قد تتعرض له الحرائر، ومثال حلب خاصةً لا زال غضاً في الذاكرة بكل مآلاته.

من يغادر الغوطة لن يستطيع العودة لها، كما أن حرس حدود وجيوش الحلفاء جاهزون برصاصهم لمنعه من مغادرة الخيمة التي ستؤويه قرب الحدود إن حاول عبور الحدود للهرب من قصف سيلاحقه، فرصاص الحلفاء جاهز لاصطياده في مهجره بدل طائرات الأعداء في بيته أو في خيمته، ناهيك عن التصفيات والاغتيالات للناشطين والثوار المخلصين، ليتساوى الموت أمام الغوطاني المدني والعسكري مع فارق أساسي؛ حيث سيموت مع أهله ذلاً في مهجره المكتظ قبل أن يموت بألف طريقة أخرى ومعدته بالكاد ملئ، بينما قد يموت برصاص الأعداء بكرامته ومعدته شبه خاوية في غوطته لكن سينجو معظم الباقين من أهله ويبقون في أرضهم وبكرامتهم.

المدنيون هنا بصفتهم "الضحية الأكبر"، يتحملون العبء الأكبر في هذه المعركة المصيرية، فمعاناتهم هي التي حركت العالم وستتابع الضغط عليه ليتحرك أكثر، ما يعني أنهم مقاتلون "عزل" إلى جانب الثوار في معركة الغوطة اليوم، من أقبيتهم بصمودهم وبتضحياتهم، فبدون معاناتهم التي حركت العالم ما كان لقرار وقف إطلاق النار أن يصدر، وما كان تطبيق كامل له سيحدث إن استمروا في الصمود، وهو أمرٌ لن يطول بإذن الله، ليكون لصبرهم على معاناتهم الكبيرة جائزة قيمة تفوقها كثيراً، لأن استسلامهم وسقوط الغوطة إن تم لا سمح الله فسيعني أن هؤلاء المدنيين سيتحولون حينها لضحايا للنظام لكن بلا ثمن، حيث تضيع معاناتهم السابقة والحالية والآتية والتي ستفوق أي معاناة اليوم، مع ألمي لاستخدام كلمتي "صمود مضمخ بالدم"، و"استسلام ملطخ بالذل" لأصف الحالين الصعبين بصدق يتطلبه الموقف ويستحقه أهله.

قبل الثوار الذين حسموا أمرهم بالصمود كما صرحوا؛ لمدنيي الغوطة اليوم الاختيار مع التقدير مهما كان قرارهم: صمود أو استسلام، هي ليست أقداراً مرسومةً بل خيارات صعبة واعيةٌ تحدد الأقدار، لكل منها ثمنها، خيارات تحدد أقداراً ليس للغوطة وأهلها فقط، بل لمآلات قادمة لمجمل الثورة السورية والصراع الطويل الذي ينتظر السوريين قبل معركة الغوطة وبعدها، فذلك قدر الغوطة منذ اليوم الأول حينما اختارت الثورة، وليتذكر ثوار وسكان الغوطة أنهم صنعوا لسنوات معجزة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهم يفعلونها اليوم ويتفوقون على أنفسهم وعلى كل ما سبق وأنجزوه، يفعلونها في صمود أسطوري بأسلحة خفيفة لثوارهم مع معنويات تطال السحاب، وأيد عزلاء لمدنييهم تقاوم بأمعائها الخاوية ولحمها الغض ودمها الحار الطاهر بكرامة تكفي أهل الأرض، تقاوم آلة متوحشة هائلة متعددة الجنسيات والطوائفية ملمومةً من ما انتجته ووصلت له البشرية من قذارات السياسة، صمدوا بمواجهتها بينما كانت لتسقط جيوش دول أمامها ... هي معجزة فعلوها ولهم الخيار في إتمامها دون ملامةٍ في أي حال، ليستمروا كما بدأوا بشعارهم الأثير الذي سيسجله التاريخ للسوريين "ما لنا غيرك يا الله"، شعار كفانا يوم بدأنا في وجه أعتى نظام في العالم يدعمه كل العالم، وسيكفينا بإذن الله لننهي ما بدأناه.

فواز تللو / سياسي وباحث سوري

مركز آفاق مشرقية

المادة المنشورة تعبر عن رأي الكاتب ولا يتبناها بالضرورة مركز آفاق مشرقية، ويتحمل الكاتب المسؤولية القانونية والعلمية لمضمون هذه المادة.

: تقييمك للمقال
التعليقات

كن أول من يكتب تعليقاً

اترك تعليقاً
1000
نشكر مساهمتكم والتعليق قيد المراجعة
Share
حقوق النشر محفوظة لمركز آفاق مشرقية الذي يصرح بإعادة نشر المواد شرط الإشارة إلى مصدرها بعبارة "المصدر : مركز آفاق مشرقية" © 2017 Oriental Horizons. All Rights Reserved.