منيح بس يلي حوله سيئين ...هو ملخص بعض تعليقات "اللقاليق" على منشور رئيس هيئة التفاوض تبريرا لابتسامته مع السفاح الروسي، تبرير لا يقل .. جرأة .. عن الابتسامة عندما قال أن "الأكثر ابتساماً ربما كان هو الأكثر حرصا على مصلحة الثورة"، وفضوها سيرة، ويا دار ما دخلك شر.
لكن من قال إن المشكلة هي الابتسامة، بل هي رأس جبل الجليد، فالمشكلة هي في ما دار في الاجتماع، وفي الأكاذيب التي روجها المجتمعون عن "تلمسهم لتغيير في الموقف الروسي في موضوع السفاح"، بما يذكرنا بتصريحات القائد الملهم رئيس منصة إسطنبول سابقاً عندما زار موسكو مع وفد ائتلافي قبل أعوام لا يقل "جرأة" عن وفد هيئة التفاوض اليوم، وما بينهما وقبلهما من قادة ملهمين.
ثم ماذا عن الذهاب المتوقع لهيئة التفاوض إلى سوتشي، ومثلها الائتلاف ومثلها هيئات أخرى، ذهابها لسوتشي كهيئات اعتبارية أو فرادى "بشكل شخصي" كما قد يتم "إخراجها" للتحايل على جمهور الثورة، أليس ذلك أهم من حجم الابتسامة، أم أنهم ولقاليقهم (ولا علاقة لطائر اللقلق الجميل بالمصطلح والقميئين تحته) يظنون أن الامر كان مجرد ابتسامة "جرت معالجتها" بمنشور فيس بوك وكفى الله الذاهبين شر محاسبتهم على نتائج زيارتهم إلى موسكو بالأمس وإلى سوتشي غدا وإلى ما بعد بعد سوتشي لاحقاً حيث ستلتقي مسارات جنيف وأستانة وسوتشي وقد نبعت من حوضٍ فاسدٍ واحد، وستصب في بحيرة آسنة واحدة، فالقادم أسوء ويحتاج حسب مخرجيه مالكي المنصات إلى فرز أكبر لواجهة المعارضة منذ نشأت على قاعدة "البقاء للأسوأ" الأكثر تبعية وارتزاقاً والتصاقاً بمصالحه.
أيضا، ماذا عن "السيئين" حول القائد الملهم، أليس منهم شريكه القائد السابق الملهم ابن "اتحاد الديمقراطيين" الجربانين (نسبة لصاحبه الذي اشتراه بحر مال الآخرين)، شريكه الذي "طبخ" معه مؤتمر الرياض 2 بحضوره ومقرراته، ثم أليس هذان القائدان الملهمان هم من فاوض وضم إلى هيئة التفاوض منصة القاهرة وموسكو وبعض "المستقلين" جدا وعلى رأسهم خالد المحاميد عضو منصة القاهرة حتى تعيينه "مستقلا" في الهيئة، لكن ومع ذلك وبنظر محبي اللقلقة وأصحاب المواقف، وبشكل أدق "الناس يلي بتحب الواقف"؛ مع ذلك يقول هؤلاء: هو منيح لكن كل من حوله سيئين .. وأشياء أخرى حسب ما تسعفكم نباهتكم من مصطلحات متداولة في هذا السياق.
لا شك أن القائد الملهم يمتلك مع رفاقه "السيئين" صفات قيادية ميزتهم .... هي "الجرأة" ما يميز أصحاب كراسي المنصات هؤلاء، المندمجين مع كراسييهم بعشق يضيع فيه الفارق بين العاشق والمعشوق، وعلى رأسهم قائد كل المنصات وأكثرهم جرأة يوم جمعت منصته الأخيرة كل "كراسي المنصات، بعد أن مر على كل المنصات، التي بدأت به في الأردن والمجلس الوطني، فقطر والسعودية بنسختي الائتلاف، فأستانة وتركيا، وصولاً إلى الرياض وهيئة التفاوض بنسختيهم، وحيث تتقاطع المنصات أحياناً لنفس الشخص وبنفس الوقت ولو تناقضت أهدافها، فهو وهم يؤمنون "بتعدد المعلمين"، ليعطي قائد المنصات مثالاً يلخص مفهوم "السياسية" وممارستها لدى جميع رفاقه المناضلين متصدري المشهد في كل المنصات والهيئات، بما لا يجعله يشعر بالغربة في معشوقه/كرسيه.
نعم هي "الجرأة" ما يميز مناضلي المنصات هؤلاء، لكنها جرأة من نوع خاص لا يطيقه إلا الراسخون في التلاعب بدم الشهداء ومعاناة المعتقلين والنازحين واحتقارها، واستحمار كل جمهور الثورة، والجاهزون للتنفيس عن مكبوتات الطابور الخامس في الثورة، ولما لا والجمهور قلبه طيب "ويحب الواقف" أي الذي يملك سلطة ولو كانت وهماً، ويفضله البعض بلحية، فهكذا تعود هذا الجريء وصحبه منذ قفزوا على أول كرسي في أول منصة وركبوا بكل بطولة وتضحية خازوقه نيابة عن الثورة وكرمى عيونها وعيون كل التضحيات، ليستمر تجديد "البيعة" لهم ووتبادل الطرابيش بينهم مع كل فشل، فالجمهور الطيب سريع النسيان قليل التركيز، وهي نعمة للطرفين، من يستحمر ومن يتم استحماره، وما كل المواقف من أول مؤتمر لجنيف مرورا بأستانة وكل نسخهم وصولاً لمؤتمر الرياض بنسختيه بعد مؤتمر فيينا المشؤوم، ليست إلا مثالاً يصرخ بفجور بتلك المعادلة الاستحمارية التي تتكرر منذ سنوات في واحدة من أكثر أحداث تاريخ الثورة السورية سواداً وهزلية ... واستحماراً.
كدت أنسى، وبمناسبة الكراسي ومالكيها الإقليميين والدوليين؛ نحن أمام حالة سياسية نادرة تستحق قوننتها في نظرية سياسية يتم تدريسها، حيث تنتقل ملكية الكرسي مع المناضل العقائدي الملتصق به، تنتقل من مالك دولي وإقليمي إلى آخر، ومن منصة إلى أخرى، وبأهداف أخرى قد تصل حد التناقض التام بين منصة وأخرى، بينما المناضل ثابت على كرسيه مطبقا أهم مبادئه الثورية: "كل مين ملك الكرسي ودفع .. صار عمي""، في حالة فريدة تتحرك وتتغير فيها مبادئ وثوابت الثورة بينما يثبت الكرسي وصاحبه "السياسي العقائدي الثوري" عليه.
أي تسطيح هذا لذهابهم إلى موسكو وما سينتج عنه من ذهابهم إلى سوتشي، أي استخفاف بالعقول هذا وأي تسخيف للأمر ليصبح الأمر محصوراً بحجم الابتسامة وسرها الفرماسوني الذي كشف كبيرهم أول خيط فيه عندما ربط حجم الابتسامة بحجم خدمة قضايا الثورة، وترك للأجيال القادمة تفسير سر ابتسامة "موناليزا" القائد الملهم ورفاقه "السيئين" كما يصفهم الراسخون في اللقلقة والغباء وهم يبررون ل"موناليزا" وشركاها الموناليزيهات" اضطرارهم الذهاب إلى سوتشي، بنفس المنطق الذي برر قبلها الذهاب إلى أستانة وقبلها إلى جنيف بإخراجه السيئ، وبنفس أبطال الموناليزا الذين لا تزال تتقيأهم الثورة فتجترهم المنصات ويجترون أنفسهم، منذ أول شهيد وربما حتى المليون الثاني من الشهداء، وليذهب دافنشي ومونيليزاه إلى الجحيم، "ويطق غيرة"، فلديه موناليزا واحدة وبضع تفسيرات لابتسامتها الغامضة، ولدينا عشرات منها بابتسامات تستغرق كل ما ذهب من سوريا بأهلها وحضارتها وكل ما سيتبقى منها حتى يتم تفسيرها، وفق المبدأ الثوري العقائدي الثاني لأبطال المنصات: "عيش يا كديش لينبت الحشيش".
لكن، مساكين هؤلاء الأبطال هم ومن سبقهم في تصدر لوحة الموناليزا ... يقولون وبشكل أدق يسربون، أنهم يتعرضون لأقسى الضغوط لدفعهم للذهاب إلى مؤتمر سوتشي ، تماماَ كما قالوةا قبل جنيف ومن ثم أستانة بكل نسخهم، وهم يرددون أنهم "يريدون اختبار جدية الطرف الآخر"، لذلك ونتيجة هذه الضغوط الهائلة‘ فأن على "الأعزل" الذي تجرأ وثار في وجه النظام الأسدي بكل جبروته وارتباطاته العالمية المشبوهة ومن خلفه العالم، على هذا الذي دفع الثمن، كل الثمن، لذلك عليه أن يعذرهم ويسامحهم عندما يذهبون إلى سوتشي كما فعل عندما سامحهم بعد أن ابتسموا حتى كادت أسنان أحدهم تفر منه بعد لقاء ممثل خارجية الروسي القاتل، فالجمهور الطيب الذي لا يفهم بالسياسية ليس عليه إلا أن يسامح ويفوض أمره للموناليزا كما اعتاد طوال نصف قرن مع السفاح الأسدي، فجمهور الثورة الاتكالي الكسول هذا لا يتقن إلا أعمال التضحية الثانوية وعليه أن يتحمل ضغوطها البسيطة من قبيل الاستشهاد والاعتقال والتعذيب والنزوح وفقد المال والبيت والولد، أما أعمال السياسية الجليلة والتقافز كقرود سيرك الشوارع بين المؤتمرات والعواصم والفنادق، فأمورٌ أكبر من إدراك جمهور الثورة هذا، فهي أمورٌ لها ضغوطها التي لا تُحتمل لذلك كان لها أبطال الموناليزا ولهم عذرهم في عدم تحمل ضغوطها.
نعم، هي ضغوط عليهم وأي ضغوط، ضغوطٌ لا يعرفها أولئك "الطنطات" المعتقلون تحت التعذيب والثوار والشهداء والجرحى والمشردون في أصقاع الأرض أو الصامدون تحت القصف والحصار، ضغوط تمارس على أبطال الموناليزا تخر لها الجبال، ضغوطٌ من قبيل التهديد بالحرمان من "الخرجية"، أو عدم دعوتهم للمؤتمرات، أو استبعادهم من تصدر الواجهة التي أدمنوها، أو عدم اعتمادهم وكلاء لهذا "المعلم" أو ذاك، أو فقدانهم ترخيص فتح "دكان معارضة" كائتلاف أو هيئة تفاوض أو منظمة مجتمع مدني أو منصة، أي منصة حتى لو كانت منصة بهلوانات شوارع يتعيشون على ما يرميه المارة، بل ربما كانت الضغوط من وزن كشف "المعلم" لدفاتر معارك الشرف المالية الخضراء في الليالي الحمراء لمعاركهم السوداء من أجل "التمثيل" .... تمثيل الثورة السورية حتى لا يذهب بكم التفكير بعيداً، مع أنهم يتقنون فن "التمثيل" على جمهور الثورة.
الثورة وجمهورها يحتاجون لمن يقول "لا" ... لا لسوتشي وأستانة ومهزلة جنيف بإخراجها الحالي وبمضمونها الغامض الذي يحتمل ألف تفسير باستثناء إسقاط النظام وفق ابتسامة "حاويها" الموناليزا ديميستورا، "لا" لأي تفريط بمصالح الثورة حتى لأقرب حلفائها ونعم للعمل على المصالح المشتركة الكثيرة معهم، نعم للعمل معهم كحلفاء و"لا" للعمل كأتباع لهم، وبالمناسبة، كلمة "لا" لا تحتاج سياسياً (أو هكذا يظن نفسه) يختبئ خلف ابتسامة "موناليزا" ليخدع بها فقط جمهور الثورة لا خصومها وأعدائها، ولا تنتظر موقفاً دولياً يتخفى بعشرات ابتسامات "موناليزا" تآمراً وحقداً وطائفية وإرهابا، كلمة "لا" تحتاج فقط لابن للثورة "تعب من أجلها" حتى لا يضيعها كابن مستهتر يضيع ثروة والده العصامي لأنه "مو تعبان بالمال"، "لا" تحتاج فقط إلى بعضٍ مما قامت الثورة من أجله ورفعته من شعارات في وجه النظام؛ تحتاج فقط إلى بعضٍ من "صبر وإخلاص ونزاهة وحرية وكرامة" ... و #حاجة يضحكوا عليكم
فواز تللو / سياسي وباحث سوري
مركز آفاق مشرقية
المادة المنشورة تعبر عن رأي الكاتب ولا يتبناها بالضرورة مركز آفاق مشرقية، ويتحمل الكاتب المسؤولية القانونية والعلمية لمضمون هذه المادة.